بقلم: معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميدلئن كان الاجتماعُ ووِحدةُ الكلمةِ ضرورةً في كلِّ وقتٍ وحينٍ، فالأمَّةُ اليومَ أحوجُ إليه من أيِّ وقتٍ مَضَى. إنَّها تُعاني ضعفَ الطاقاتِ ومحدوديةَ الإمكانات، وفي الافتراقِ والخلافِ إضاعةٌ للجهود، وتشتيتٌ للطاقات. وهي تُعاني تَآمُرَ المفسدينَ وكيدَهُم، وفي إشاعةِ الاختلافِ والفُرقة خدمةٌ لهؤلاءِ وخِذلانٌ لعبادِ اللهِ الصَّالحينَ. قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: «وهذا التفريقُ الذي حَصَل مِنَ الأمَّة عُلمائِهَا ومشايـخِها، وأُمرائِها وكُبرائها هو الذي أوجبَ تَسَلُّطَ الأعداءِ عليهَا، وذلك بتركهم العملَ بطاعةِ الله ورسوله، كما قال تعالى: (وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [المائدة: 14].فمَتَى تَرَكَ النَّاسُ بعضَ ما أمرهُمُ اللهُ بهِ وَقَعَت بينهُم العداوةُ والبغضاءُ، وإذا تفرَّقَ القومُ فَسَدُوا وهَلَكُوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإنَّ الجماعةَ رحمةٌ، والفرقةَ عذابٌ».وحينَ نُريدُ استيعابَ المتغيِّراتِ وإدراكَ أبعادِ سياقاتها وتقديمَ مَشرُوعاتٍ عامَّةٍ، وحينَ نُريدُ تَغييرَ أنفُسِنَا ومُراجعةَ مواقفنا في الأحداث تَصوُّرًا وتعامُلًا وبيانًا للحقِّ؛ فإنَّ ذلك كُلَّه لن يتأتَّى مع التفرُّق والصِّراع والتشاحُن، بل سيؤدِّي بطائفةٍ من النَّاس إلى قصدِ مخالفةِ مَن لا يتَّفقونَ معهُ، ولو أدَّى ببعضِهِم إلى الوقوف في صفِّ أهل الفسادِ أو تسويغِ باطلهم، والهوى يَصنَعُ العجائب!